القائمة الرئيسية
البحث
احصائية الزوار
التواجد الآن
يتصفح الموقع حالياً 10
تفاصيل المتواجدون
شهادات الإعلام المُزوَّرة
المادة
شهادات الإعلام المُزوَّرة
بقلم الشيخ د. عبدالله بن عبدالعزيز العنقري
ملتقى الخطباء: اعتاد الناس سماع شيء عن الشهادات الجامعية المزوَّرة من
جامعات عابثة تقوم على النصب والاحتيال , بدعوى وجود دراسة جامعية يُمنح
الدارس بعدها شهادة عليا في الماجستير والدكتوراه في تخصصات عدة , وفي
الغرب من هذه الجامعات نسبة كبيرة توضح بطلان مايروّج له المنافحون عن
مدنية الغرب من المصداقية والانضباط .
وحديثنا ليس عن هذه الشهادات , ولكن عن شهادات أكثر انتشاراً وشد خطرا . ألا وهي شهادات الإعلام المزوَّرة لعدد من محدودي الخبرة ممن يُستضافون في الإعلام لهوى في نفس القائم على الوسيلة الإعلامية من قناة أو صحيفة أو إذاعة أو غيرها , ثم يضفي هذا الإعلامي لقب: ( الخبير الاستراتيجي ) و ( والمحلل السياسي) و ( الخبير في شئون الجماعات الإسلامية ) و ( الباحث الشرعي) ونحوها من الألقاب التي يرددها الإعلاميون بلا ضوابط , ليكسبوا من أرادوا تقديمه للجماهير صبغة دعائية تشعرهم بأن أمامهم رجلاً صاحب تخصص ودراية بالموضوع الذي يتحدث عنه . وتلك عجيبة من عجائب الإعلاميين التي لا حصر لها .
ومَكْمَن الخطر حين يتناول أصحاب الشهادات الإعلامية المزورة مسألة شرعيةً . أراد الإعلام اختراق سياج الشرع فيها من خلال من سماهم بالباحثين الشرعيين , الذين ربما صدَّر ألقابهم بـ (صاحب الفضيلة) ليقوم هذا المزوِّر بالحديث عن هذه المسألة الشرعية في ضمن الخط الذي رسمه هؤلاء الإعلاميون , فتكون شهادة الزور واقعة من الجانبين: من الإعلام الذي افترى في تقديم هذه الشهادة لهذا المسمَّى بالباحث الشرعي , وكذا من الباحث الكذوب الذي سار في الخط المرسوم له , بغرض تغيير حقيقة شرعية يجهر علماء الأمة المؤصَّلون بأعلى أصواتهم بما هو مضاد لما يريد الإعلام ترسيخه فيها , لكن الإعلام المضلل يتجاهل كلام هؤلاء المختصين الحقيقيين , لأنه لا يريد الوصول إلى الحقيقة بقدر ما يريد تعزيز الهوى الذي تبناه القائمون على تلك الوسائل .
ولم يعد خافياً أنهم يطلقون عبارة: (صاحب الفضيلة) على من حمل شهادة الدكتوراه في تخصصات غير شرعية , لكن استغلوا حمله لقب (الدكتور) في مجال ما , ليشعروا المتابع لإعلامهم بأن صاحبهم من حملة الدكتوراه في العلوم الشرعية !
وعلى هذا الخط طرحوا قضايا تعزز تغيير وضع المرأة المسلمة في حجابها ومنع اختلاطها بالأجانب من خلال شهود الزور الذين يطلقون عليهم هذه الألقاب .
وليس ببعيد عن هذا المنهج شهادتهم بالخبرة الاستراتيجية لمن لم يكتب بحثا علميا واحدا في الخبرة الاستراتيجية , بل هو متابع كالببغاء لما يقال هنا وهناك في وسائل الإعلام , ثم يقوم بعملية استنساخ ساذجة لما يسمع ويقرأ , لا أقل ولا أكثر , فما أعجب هذه الخبرة الاستراتيجية ! ويظهر ذلك جليًّا في الطرح المهزوز المتناسب مع الشهادة المزورة التي منحها الإعلاميون .
وأعجب منه الشهادة لبعضهم بالخبرة في شئون الجماعات الإسلامية , فيقوم بخلط عجيب غريب للسلف بالخوارج , ولعلماء الأمة المنضبطين بالجماعات التي لم تقم على منهج شرعي مؤصل .
ويتبدى هذا جليًّا عند الحديث عن جرائم تقع في أنحاء الأرض فتلصق بأهل السنة والجماعة , بدءاً من صحابة النبيr , ومروراً بعلماء السلف عبر القرون , وصولاً إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتلامذته , حتى صار ذكر ما يسمى بـ (الوهابية) أمراً يتكرر في وسائل إعلامهم عند ذكر الإجرام , بفضل تصريح أو تلميح من يسمون بالخبراء في شئون الجماعات الإسلامية .
ولا تعجب من ذلك إذا علمت أن بعض هؤلاء الخبراء المزوَّرين كانوا من أشد الناس غلوًّا , ومن أكثر من كانوا ينتقدون علماء الأمة العاملين , كشيخنا العلامة ابن باز وإخوانه من رموز أهل السنة الكبار , ثم لما انتكس هؤلاء الغلاة بنسبة (180) درجة ومالوا إلى المد التغريبي كافأهم الإعلام بالشهادة الجاهزة : (الخبير)
ألا ما أسهل هذه الشهادات التي لا يحتاج حاملها إلى سهر الليالي, ومتابعة البحث العلمي الرصين , والمناقشة الدقيقة من قبل لجنة الحكم على الرسالة التي تنضج للباحث بحثه وتحاسبه عليه .
ولكن ما أشد آثار هذه الشهادات المزورة : قلباً للحقائق , وتلبيساً على الناس , ولهذا ينبغي التأكيد على الأمة أن تتلقى أمور العلم ونوازل الأحكام من أهل العلم الذين عرفوا به , لا الذين يريد الإعلاميون أن يكونوا مجرد مَعْبَر لهم , لتحقيق أهوائهم , مع الاستعداد التام لإضفاء الألقاب الكاذبة عليهم ومنح شهادات الزور لهم .
والحق أن الإعلام الذي بات ينتقد ما أراد , ومن أراد , ويشن من الحملات المنسَّقة المسقطة لمن أراد , هو بأمس الحاجة إلى النقد , نظراً للتسيُّب الشديد الذي يعانيه .
فكم نشر من الأكاذيب , وكم غيَّر من الحقائق وكم أوجد من اضطراب في بلاد المسلمين في أمور دينهم ودنياهم , دون أدنى حساب !
فهل يعي الإعلاميون المتسيِّبون خطورة ما يصنعون في ضوء الانتشار السريع لما يبثون ؟
وعلى كل حال فإن الإعلام نفسه بحاجة إلى مراجعة دقيقة , وأهم ما يحتاج إليه تحديد موقعه بالضبط ماهو ؟ أهو قناة توصيل تنشر الحقائق بتجرد وإنصاف , أو هو سلطة في نفسه , فإن الإعلاميين يطلقون على صنعتهم: (السلطة الرابعة) ـ أي إضافة إلى السلطات الثلاث ـ وتلك السلطة الرابعة في نفسها شهادة زور باطلة شهد بها الإعلام هذه المرة لنفسه لا لضيوفه !
عسى الله أن يصلح أحوال المسلمين , ويمن على هذه الأمة في سائر مجالات حياتها بمن يضع تقوى الله بين عينيه , ممتثلاً قول النبي r :" اتق الله حيثما كنت " .
التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق
جديد المواد
روابط ذات صلة
المادة السابق | المواد المتشابهة | المادة التالي
|