القائمة الرئيسية
البحث
احصائية الزوار
التواجد الآن
يتصفح الموقع حالياً 25
تفاصيل المتواجدون
عندما يحذر الليبراليون الحزبيون من الحزبية!
المادة
عندما يحذر الليبراليون الحزبيون من الحزبية!
د.عبد الله بن عبد العزيز العنقري
ملتقى الخطباء: لما كانت الحزبيّة الضيقة داخل جماعة المسلمين أمرًا منكرًا مصادمًا للنصوص فقد حذّر علماء الأمة منها قديمًا وحديثًا, وأوجبوا على أهل الإسلام أن يكونوا متآخين على دين الله, متحابّين بجلاله, مستحضرين لنعمته تعالى بإكمال هذا الدين وإتمام نعمته على الأمة ورضاه لها الإسلام دينا, يجتمع عليه عربهم وعجمهم, غنيُّهم وفقيرهم: ﴿ اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِينًا ﴾.[المائدة:3 ]
فمن هنا تكاثر كلام علماء الأمة في النهي عن أي انتماء ضيق يرتضي فيه أفراد أو جماعات التقوقع داخل هذا الانتماء ويتنادون بدعوة غيرهم إلى الانضمام إليه, لما لذلك من تشتيت جماعة المسلمين وإهدار طاقاتها.
ولذا فإن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لما بلغه أن بعض المسلمين تداعَوا إلى (الحِلْف) كتب كتابًا ذكَّر فيه بنعمة الإسلام ووجوب التآخي عليه وحده, وتَرْك التداعي إلى أي حلف سواه, قائلًا: "وأنا أحذّر كل من سمع كتابي هذا ومَن بلَغه أن يتّخذ غير الإسلام حِصْنًا, أو دون الله أو دون رسوله ودون المؤمنين وليجة, تحذيرًا بعد تحذير,وتذكيرًا بعد تذكير, وأُشهِد عليهم الذي هو آخذ بناصية كل دابة , والذي هو أقرب إلى كل عبد من حبل الوريد".
ولما سئل مالك: مَن أهل السُّنَّة؟ قال: "أهل السنة الذين ليس لهم لقب يُعرفون به".
ولما سئل ما السُّنَّة؟ قال "ما لا اسم له غير السنة"
قال ابن القيم: "يعني أن أهل السنة ليس لهم اسم ينسبون إليه سواها"
وقال ميمون بن مهران: "إياكم وكل
هوى يُسمّى بغير الإسلام"
وقال ابن قدامة: "كل مُتَسمٍّ بغير الإسلام والسنة مبتدع" .
فمن هنا حفظ الله أهل السنة من الانتماء الباطل بانتمائهم للحق, امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (فادعوا المسلمين بأسمائهم, بما سمّاهم الله عز وجل: المسلمين, المؤمنين, عباد الله عز وجل)
[انظر لتخريج الحديث والنقول السابقة كتابي الفرق المنهجي بين أهل السنة وأهل الأهواء ص 77ــ 81 ] ومنه نسخة الكترونية في الموقع
وهذا الأمر متقرر لدى علماء السنة لا يكفُّون عن الدعوة إليه, محذّرين من الفُرقة وتشعُّب الجماعة وإهدار طاقاتها في انتماءات ضيقة لم تجلب للأمة إلا البغضاء ونفرة القلوب, كما قال أبو العالية رحمه الله: "إياكم وهذه الأهواء التي تُلقي بين الناس العداوة والبغضاء" (انظر الفرق المنهجي ص82ـ83 لتخريج الأثر).
وعلماء السنة حينما نبهوا على هذا إنما كان منطلَقهم النصوص العظيمة التي قرّرت وجوب توحيد الانتماء إلى الإسلام والسّنَّة ولزوم الجماعة والموت على هذا السبيل الجامع لأمةً جعلها الله خير أمّة أخرجت للناس.
غير أن الملاحظ أن الليبراليين ـ وهم أشد طرف خالف نصوص الجماعة, والانتماء إليها ـ قد قاموا بالتحذير من الحزبية ـ لا لله تعالى ـ ولكن ليضربوا خصومًا لهم وقفوا سدًا منيعًا دون كيدهم وتخطيطهم الدؤوب, لتحويل الأمة إلى صورة طبق الأصل من الصورة الغربية التائهة.
ولما كان عدد من هؤلاء الواقفين لهذا الكيد مصنَّفين لدى الليبراليين ضمن دائرة الحزبيين الذين يسميهم الليبراليون: (الإسلامويين) فقد سعى الليبراليون إلى إسقاط خصومهم هؤلاء من خلال وصمهم بالحزبية وركزوا في هذا السبيل على الاستشهاد ببعض النصوص وكلام أهل العلم في التحذير من التحزب ودعاته.
واللبيب لا يمكن أن يخفى عليه أن مقصد الليبراليين هنا ليس نشر العلم ومنهج أهل السنة في هذا الباب! بل مقصدهم ضربُ مَن وقف بحق في وجه مخططاتهم, فأوردوا مسألة الحزبية لفك الخناق عن أنفسهم بعد أن كُشفت خططهم على يد عدد من هؤلاء المتصدّين لباطلهم.
والعجب لا ينقضي من هذا الأسلوب الانتهازي لليبراليين الذين يحذرون من الحزبية في الوقت الذي حطموا فيه كل رقم قياسي في ترسيخ حزبيتهم الضيقة.
وتأمل مصداق ما قلت في هذا المثال المتكرر-إلى حدٍّ سَئمه , بل مجَّه الناس- وذلك حين يستحكم ذوو الخط الليبرالي على وسيلة إعلامية, فلا تجد في طرحهم الإعلامي إلا مَن هو من (جماعتهم) و (حَرَكِيِّيهم) السائرين في فلكهم, حتى لقد قدّموا شبابًا أغرارًا لا يملك أحدهم من الثقافة أدنى درجاتها, ثم إذا وقع أحد من (جماعتهم) في ـ خطأ اضطربت له الأمة بأسرها ـ استمات زملاؤه الحزبيون في الدفاع عن خطئه , وإن كان في حجمه كالجبال وهوّنوا من أمره, وأوّلوا مقالة أو فعْلة رفيق دربهم تأويلًا سمجًا لم يصل إلى سخفه غلاة أهل التأويل من الجهمية والمعتزلة. وفي الوقت نفسه فإن الليبراليين يتصيَّدون أدنى زلة لخصومهم, ليضخموها, ويُصبِّحوا الناس ويُمسُّوهم بذكرها, مستخدمين أنواعًا من التهويل وما استطاعوا من شاطح التحليل, فنادوا على أنفسهم ـ شعروا أو لم يشعروا ـ بأنهم قد جاوزوا في حزبيتهم جميع المتطرفين من الحزبيين الغلاة.
ثم مع هذا الغلو الحزبي: على أي شيء تَحزَّب الليبراليون؟
لقد تحزبوا على استنساخ الصورة الغربية الفاشلة في الحرية البهيمية وجلبها لهذه الأمة!
فكيف يجترئ هؤلاء على الاستشهاد بالنصوص وكلام علماء الأمة المحذرين من التحزب, ماداموا بهذا الحال البائس!
أكان تحذير النصوص وعلماء الأمة محصورًا في التحزب على سبيل يزعم أهله أنهم ينصرون به دين الله, أم أنه يتوجه أيضا إلى من تحزب لطمس هوية الأمة وجعلها مجرد تابع ذليل للقوى الغربية الجائرة؟
واللهِ إن العاقل لا ينقضي عجبه من هؤلاء الليبراليين الذين يتكئون على النصوص وكلام أهل العلم ,ليحذروا بها من خصومهم, مظهرين الحنوّعلى الأمة من كيد الحزبيين وما يبيتونه في مخططاتهم! مع أن الليبراليين يعلمون من أنفسهم أنهم ماضون فيما هو أشد فتكًا بالأمة من كيد الحزبيين مجتمعين.
ولا أعني بهذه الكلمة أبدًا التهوين من أمر الحزبية الموجودة داخل من أطلق عليهم اسم فضفاض هو : (الإسلاميون), بل التحذير من الحزبية منهج راسخ لكل من ذاق طعم السُّنّة وعلم كيف كان حال الأمة زمن نبيها صلى الله عليه وسلم وسلفها الصالح, ثم رأى كيف زلزل التحزب والابتداع هذه الأمة في أعظم ما يجب أن ترعاه بعد توحيد الله, وهو جماعة المسلمين الواحدة التي لا تشعّب فيها ولا تشتّت, ومع ذلك كله فإن من الحكمة أن نستحضر دائما أن رموز الفكر الليبرالي لا ينبغي أن يُغفل عن مقصدهم الحقيقي عندما يظهرون للأمة أنهم حرب على الحزبية والحزبيين, ليصلوا إلى بغيتهم من توطيد أركان حزبيتهم التي لا توجد حزبية أضيق منها, حتى لدى من جعلهم الليبراليون أسوتهم من ليبراليي الغرب ـ وبئس الأسوة ـ فإن أولئك لم يكونوا ـ رغم خبث وجهتهم ـ بهذا المقدار البغيض من الحزبية.
وقد قال عمر رضي الله عنه: "لست خِبًّا, ولا يغلبني الخب"
فلنحذّر من الحزبية في سائر صورها المُنكَرة, وأسوأها وأحطُّها حزبية من أرادوا مسخ الهوية باسم حرب الحزبية!
والله المستعان على مايصفون, وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق
جديد المواد
روابط ذات صلة
المادة السابق
| المواد المتشابهة | المادة التالي
|